لمن الملك اليوم

Categories :

بقلم: بدر بن ناصر بن سعيد العامري

الموافق ١٤ أبريل ٢٠٢٠

٢٠ شعبان ١٤٤١ هـ

وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ

يقول أحد الأطباء بعد أن أصيب العالم بجائحة الفيروس كورونا والتي سميت علميا كوفيد-١٩. (COVID-19). إن “هذا الفيروس له عزة نفس كبيرة، لا يأتي إلى منزلك إلا إذا خرجت ودعوته للدخول”، ربما هي عبارة مداعبة بين الأطباء. لكن لها عمق في معناها. أصيب العالم بدأً من مدينة أوهان الصينية بداية ديسمبر ٢٠١٩ بمرض سببه فيروس لا يرى إلا بالمجهر الإلكتروني. وقد انتشر كانتشار النار في الحطيم. فلم يترك بلداً ولا قريتاً ولا بيتاً إلا زاره وأرعب من بداخله. بات الناس يشكون في ثيابهم وفي أيديهم من تلوثها بالفيروس.

ما هو مصدر الفيروس؟؟

عرَّفت وزارة الصحة العُمانيه هذا الفيروس بأنه: عائلة فيروسية شائعة ومعروفة بتسببها في مجموعة من الأمراض تتراوح بين عدوى الجهاز التنفسي الخفيفة والالتهاب الرئوي الحاد(١). ففي نهاية شهر ديسمبر ٢٠١٩، أخبرت الصحة الصينية منظمة الصحة العالمية بانتشار مرض فيروسي جديد، غير معروف والذي يتسبب بارتفاع في درجة الحرارة وضيق في التنفس وقد يؤدي للوفاة. بل يقتل ٥٪؜ من ضحاياه. اتَّهم الكثير الخفاش كناقل للمرض، واتَّهم آخرون الكائنات البحرية التي تعرض للبيع في أسواق أوهان. ومع التقدم العلمي وما أوتي الإنسان من قوة في التقنيات والأدوات والمختبرات لم تتوصل المختبرات الطبية المنتشرة حول العالم إلى المصدر الرئيس والحاضن للفيروس. وكأن هذا الكائن يقول لهم عندي لكم رسالة وهي من خالقكم مفادها – *لمن الملك اليوم؟* وإن الله سبحانه وتعالى يذكركم بالآية:

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۖ فَأَنَّ تُؤْفَكُونَ

كائن ضئيل لا يرى بالعين المجرة فما هي خطورته؟

إن من عجائب الزمان ما يمر علينا في هذه الأيام. كائن ضئيل من خلق الله يهز العالم ويجعل الصغير والكبير والفقير والغني والحاكم والمحكوم في منزله مرتعب. لا يستطيع الخروج، وكأن الخروج من المنزل يؤدي للإعدام. كائن ضئيل يهزم حضارة أخذت زخرفها وزينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها. ظنوا أنهم يسيطرون على كل صغير وكبير. وعلى حين غرة وهم على هذا الحال من الخيلاء أتاهم جندي صغير لا يرونه بأعينهم ليقوض حياتهم ويهز عروشهم ويُجْلسَهم في بيوتهم سجناء دون سجَّان يرتعبون من بعضهم البعض. بل أصبح البعض يخاف حتى من يديه أن تحمل هذا الكائن دون علمه. كائن ضئيل يهزم البشرية وهي في أعلى درجات العلم والقوة. وكأن هذا الكائن يقول لهم عندي لكم رسالة من خالقكم مفادها – لمن الملك اليوم؟

في إيطاليا زادت أسرة العناية المركزة من ٧ الآلف إلى ٢٦ الف، ومع ذلك مات فوق التسعة عشر الف وهم لا يزالون في صميم المعمعة، حيث أن الفيروس لا يزال يقتنص الضحايا ويوهون قواهم. وتصدرت الولايات المتحدة الدول باثنين وعشرين الف وفاة وأكثر من نصف مليون مصاب. بل يقول أحد الخبراء علينا أن نضاعف العدد المعروف عشر مرات لنقدر العدد الحقيقي للمصابين. لقد سجن هذا الكائن ما يقارب ١.٧ مليار إنسان في منازلهم، ومنع التواصل فيما بينهم. وأخذ الإنسان يخاف الاقتراب من أخيه وصاحبته و بنيه وأمه وأبيه. بل إن الأم أصبحت تخاف رضيعها حتى لا تصاب بسببه. خسر العالم المليارات من الدولارات. تحولت الفنادق الفخمة والتي لا يسكنها إلا الأثرياء لمأوى وسكن للمشردين والعاطلين عن العمل. حتى أن قطاع النقل وحده تقدر خسائره بأكثر من ٢٥٢ مليار دولار أمريكي. وتسارعت الدول في وضع خطط المكافحة ورصد الميزانيات الهائلة، فالولايات المتحدة الأمريكية رصدت ٢.٢ ترليون دولار لمكافحة هذا الكائن الذي لا يبلغ حجمه سوى

إن هذا الفيروس (كوفيد-19) ينتقل في المقام الأول عن طريق الرذاذ الناتج من عملية العطس. فعند العطس يسقط الرذاذ على أسطح الأشياء، وعند ملامسة تلك الأسطح باليد ولمس العين أو الأنف أو الفم ينتقل الفيروس ويبداء التدمير.

ونادرًا ما تصيب فيروسات كورونا الحيوانية البشر ثم تنتشر بينهم. فمثل مرض سارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة) الذي انتشر في الفترة بين 2002-2003، والذي كان مثالاً على فيروس كورونا الذي ينتقل من الحيوانات إلى البشر. وقد ظهرت في الشرق الأوسط في عام 2012 سلالة أخرى بارزة أحدث من فيروس كورونا تسمى MERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية)، ويقول العلماء إنها انتقلت في البداية من جمل إلى إنسان. يقول أحد الأطباء الفرنسيون على قناة TV5 قال بالحرف :

“منذ بدأ إنتشار الفيروس وموت المرضى وأنا أشعر أنني في حاجة إلى الذهاب إلى طبيبٍ نفسي ولكني اليوم أحسست وكأنني أحترق من الداخل، لا أنا فعلاً أحترق من الداخل بعد أن توسل لي مريض وهو يحتضر أن يرى أبناءه للمرة الأخيرة وبعد إلحاحه وبكاءه استجبت أنا والطّاقم وبدأنا في تجهيز المكان حتى يتسنى للأبناء الدخول في أمان وبعد إتصالي بهم رفضوا أن يودّعوا أباهم خوفا من العدوى حتى أنني توسّلت لهم لكنّهم وبكلّ بساطة اغلقوا الهاتف في وجهي !

هُنا أحسست فعلياً أنني أشتعل ، انهرت ولم أعد أستطيع الذهاب إلى العمل و أنا اليوم أتابع جلسات العلاج مع طبيب نفسي وآخد دواءً قوياً فقط لأستطيع أن أنام دون سماع توسّلات من كانوا البارحة مرضى وهم اليوم موتى”. والأغرب من ذلك عندما رفضت قرية في مصر دفن طبيبة في مقابر القرية ماتت بسبب الفيروس وهي تعالج المرضى. ولم تدفن إلا بعد تدخل رجال الأمن وإجبار أهل القرية.

يوم يفر المرء من أخيه . وأُمّه وأبيه . وصاحبته وبنيه

أي يراهم ويفر منهم؛ لأن الهول عظيم!

لو تدبر الإنسان وعلم ضعف نفسه لما تكبر على خالقه

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ

جندي متناهي في الصغر لا يمكن رؤيته إلا من خلال المجهر ، بل إنه ليس كائن حي كامل، فهو كما يقول العلماء غشاء بروتيني يغلف جينات تحتاج حاضن حتى تنمو. هذا الكائن أرعب العالم المتحضر الذي نفذ من أقطار الأرض وأخذ يرصد الأجرام السماوية. إن هذا الجندي أتى لينذر يوم التَّلاق ويقول ويردد على البشرية:

لمن الملك اليوم

إنه الله مالك الملك، الذي يُرَد إليه الأمر كله صغيره وجله. فعلى الإنسان الاتعاظ والاعتراف بأنه مهما وصل من العلم يضل غير قادر على تنظيم أمور حياته إلا بهداية منه سبحانه وتعالى. وعليه سد باب الفساد والتقيد بأمر خلقه سبحانه وتعالى، ولا يتخذ شركاء من دون الله سبحانه وتعالى. ولا يتعالى ويتكبر على الله سبحانه وتعالى ففي الحديث القدسي يقول صلوات الله وسلامه عليه عن رب العزة “العظمة إزاري والكبرياء رِدَائي فمن نازعني فيهما قصمته”.

قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ